فصل: بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة (نسخة منقحة)



.بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ:

خِيَارُ الشَّرْطِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ حُكْمِ الْمَبِيعِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَهُوَ وُضِعَ لِلْفَسْخِ لَا لِلْإِجَازَةِ عِنْدَنَا حَتَّى إذَا فَاتَ وَقْتُ الْفَسْخِ بِمُضِيِّ وَقْتِهِ تَمَّ الْعَقْدُ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وُضِعَ لِلْإِجَازَةِ لَا لِلْفَسْخِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ فَاتَتْ الْإِجَازَةُ وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (خِيَارُ الشَّرْطِ جَائِزٌ فِي الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَلَهُمَا الْخِيَارُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا) قَيَّدَ بِالْبَيْعِ احْتِرَازًا مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَقَوْلُهُ وَلَهُمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَيْ خِيَارُ الشَّرْطِ جَائِزٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ وَلَهُمَا مَعًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ لِبَيَانِ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَقَوْلُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَوْ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَبِهِ قَالَ زُفَرُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ إذَا سَمَّيَا مُدَّةً مَعْلُومَةً) فَإِنْ شَرَطَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ فَإِنْ أَجَازَ الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ فِي الثَّلَاثِ أَوْ مَاتَ صَاحِبُ الْخِيَارِ فِي الثَّلَاثِ أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ أَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنُ.
وَقَالَ زُفَرُ إذَا فَسَدَ الْعَقْدُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لَمْ يَصِحَّ أَبَدًا لِأَنَّهُ انْعَقَدَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا جَازَ وَإِلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ إلَى أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَأَكْثَرَ فَإِنْ نَقَدَ فِي الثَّلَاثَةِ جَازَ إجْمَاعًا وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ انْفَسَخَ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا لَمْ يُوَقِّتْ لِلْخِيَارِ وَقْتًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ أَبْطَلَ صَاحِبُ الْخِيَارِ خِيَارَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ قَبْلَ مُضِيِّ الثَّلَاثِ وَقَبْلَ أَنْ يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا لِأَجْلِ الْفَسَادِ انْقَلَبَ جَائِزًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَإِنْ أَبْطَلَ صَاحِبُ الْخِيَارِ خِيَارَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الثَّلَاثِ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَعِنْدَهُمَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَلَوْ شَرَطَ خِيَارَ الْأَبَدِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ إجْمَاعًا فَلَوْ أَسْقَطَ خِيَارَهُ فِي الثَّلَاثِ يَجُوزُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَلَوْ أَسْقَطَهُ بَعْدَ الثَّلَاثِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَلَوْ شَرَطَ خِيَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ أَسْقَطَ مِنْهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ سَقَطَ مِنْهَا مَا أَسْقَطَهُ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ إلَّا يَوْمًا.
وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثًا بَعْدَ شَهْرٍ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ شَهْرًا كَامِلًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا خِيَارَ لَهُ بَعْدَ الشَّهْرِ وَلَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ إلَى اللَّيْلِ أَوْ إلَى الْغَدِ أَوْ إلَى الظُّهْرِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي اللَّيْلِ كُلِّهِ وَالْغَدِ كُلِّهِ وَوَقْتِ الظُّهْرِ كُلِّهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهُ الْخِيَارُ فِي اللَّيْلِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَفِي الظُّهْرِ إلَى الزَّوَالِ وَفِي الْغَدِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا أَوْ عَبْدًا عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فِي نِصْفِهِ وَنِصْفُهُ بَاتٌّ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ النِّصْفَ مَعْلُومٌ وَثَمَنَهُ مَعْلُومٌ.
قَوْلُهُ: (وَخِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِهِ) حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ عَتَقَ وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفَ فِيهِ وَإِنْ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَالثَّمَنُ يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي إجْمَاعًا وَهَلْ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَدْخُلُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى اجْتِمَاعِ الْبَدَلَيْنِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ وَعِنْدَهُمَا يَدْخُلُ حَتَّى لَا يُؤَدِّيَ إلَى أَنَّ الثَّمَنَ لَا مَالِكَ لَهُ وَلَوْ تَصَرَّفَ الْبَائِعُ فِي الْمَبِيعِ بِالْبَيْعِ أَوْ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالْوَطْءِ أَوْ بِالْقُبْلَةِ بِشَهْوَةٍ أَوْ بِالْهِبَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَإِنْ فَسَخَ بِالْقَوْلِ إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ صَحَّ الْفَسْخُ إجْمَاعًا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ بَطَلَ الْفَسْخُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ صَحَّ الْفَسْخُ وَلَوْ تَصَرَّفَ كَالْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ أَوَّلًا وَالثَّمَنُ عَيْنٌ صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَكَانَ إجَازَةً لِلْبَيْعِ وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِمَا مَعًا بِأَنْ بَاعَ عَبْدًا بِجَارِيَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَأَعْتَقَهُمَا مَعًا عَتَقَا وَلَزِمَهُ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.
وَلَوْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي الْمَبِيعِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي الثَّمَنِ وَهُوَ عَيْنٌ فِي يَدِهِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَهَلَكَ فِي يَدِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا أَمَّا إذَا كَانَ مِثْلِيًّا فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ.
قَوْلُهُ: (وَخِيَارُ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْك الْبَائِعِ بِالْإِجْمَاعِ) وَهَلْ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَدْخُلُ وَعِنْدَهُمَا يَدْخُلُ وَيَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَالثَّمَنُ لَا يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا لَمْ يَدْخُلْ الْمَبِيعُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَلَوْ مَلَكَ الْمَبِيعَ لَاجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ الْعِوَضَانِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ وَهُمَا يَقُولَانِ الْمَبِيعُ إنَّمَا قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُشْتَرِي يَكُونُ زَائِلًا إلَى مَالِكٍ وَلَا عَهْدَ لَنَا بِهِ فِي الشَّرْعِ وَلَوْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَالْخِيَارُ لَهُ جَازَ تَصَرُّفُهُ إجْمَاعًا وَيَكُونُ إجَازَةً مِنْهُ ثُمَّ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَنُفُوذُ الْبَيْعِ بِأَرْبَعَةِ مَعَانٍ أَحَدِهَا أَنْ يَقُولَ أَجَزْت سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَالثَّانِي أَنْ يَمُوتَ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَيَبْطُلُ خِيَارُهُ بِمَوْتِهِ وَيَنْفُذُ عَقْدُهُ وَلَا يَقُومُ الْوَرَثَةُ مَقَامَهُ وَلَا يَكُونُ مَوْرُوثًا عَنْهُ.
وَالثَّالِثِ أَنْ تَمْضِيَ مُدَّةُ الْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ مِمَّنْ لَهُ الْخِيَارُ وَالرَّابِعِ أَنْ يَصِيرَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إلَى حَالٍ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي فَسْخَهُ مِثْلَ أَنْ يَهْلِكَ الْمَبِيعُ أَوْ يَنْتَقِصَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي نُقْصَانًا يَسِيرًا أَوْ فَاحِشًا بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِفِعْلِ الْبَائِعِ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ بِفِعْلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ خِيَارُهُ وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ وَإِذَا زَادَ الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي قَبْضِ الْمُشْتَرِي زِيَادَةً مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ كَالسِّمَنِ وَالْبُرْءِ مِنْ الْمَرَضِ مَنَعَتْ الرَّدَّ وَالْفَسْخَ وَبَطَلَ خِيَارُهُ وَنَفَذَ الْبَيْعُ عِنْدَهُمَا كَالنُّقْصَانِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ كَالصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ أَوْ لَتِّ السَّوِيقِ أَوْ كَانَتْ أَرْضًا فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ مَنَعَتْ الرَّدَّ إجْمَاعًا وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ فَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْهَا كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالثَّمَرِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ مَنَعَتْ الرَّدَّ أَيْضًا وَبَطَلَ خِيَارُهُ وَنَفَذَ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ كَالْكَسْبِ وَالْهِبَةِ وَالْغَلَّةِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ الْبَيْعَ فَالزِّيَادَةُ لَهُ مَعَ الْأَصْلِ إجْمَاعًا وَإِنْ اخْتَارَ الْفَسْخَ يَرُدُّ الْأَصْلَ مَعَ الزِّيَادَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَرُدُّ الْأَصْلَ لَا غَيْرُ وَالزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ مَذْهَبَهُمَا أَنَّ الْمَبِيعَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ فَتَكُونُ الزَّوَائِدُ حَاصِلَةً مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَزِمَهُ رَدُّهَا إلَيْهِ وَأَمَّا فَسْخُهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَهُوَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ فَبِالْقَوْلِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِحُّ بِغَيْرِ حُضُورِهِ وَأَمَّا فَسْخُهُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ عَيْنًا فَيَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَأَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَجَوَازُ الْبَيْعِ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ مَعَانٍ أَحَدِهَا أَنْ يُجِيزَ بِالْقَوْلِ فِي الْمُدَّةِ فَيَقُولَ أَجَزْت فَيَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَالثَّانِي أَنْ يَمُوتَ الْبَائِعُ فِي الْمُدَّةِ فَيَبْطُلَ خِيَارُهُ وَيَنْفُذَ عَقْدُهُ وَلَا يَقُومَ الْوَرَثَةُ مَقَامَهُ فِي الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ وَالثَّالِثِ أَنْ تَمْضِيَ الْمُدَّةُ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ وَلَا إجَازَةٍ وَفَسْخُهُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ فَالْقَوْلُ أَنْ يَقُولَ فِي الْمُدَّةِ فَسَخْت فَإِنْ كَانَ فَسَخَهُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي انْفَسَخَ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي فِي الْمُدَّةِ انْفَسَخَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى مَضَتْ جَازَ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِحُّ الْفَسْخُ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ إجَازَتَهُ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ تَجُوزُ وَأَمَّا الْفَسْخُ بِالْفِعْلِ فَهُوَ أَنْ يَتَصَرَّفَ الْبَائِعُ فِي الْمُدَّةِ فِي الْمَبِيعِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ الْوَطْءِ أَوْ التَّزْوِيجِ أَوْ الْقُبْلَةِ بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا.
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ الثَّمَنُ مِنْ مِلْكِهِ فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّ الْمَبِيعَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ لَاجْتَمَعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَمْلِكُهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي يَكُونُ زَائِلًا لَا إلَى مَالِكٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلَ أَحَدِهَا إذَا اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ وَخِيَارُهُ عَلَى حَالِهِ وَعِنْدَهُمَا عَتَقَ حِينَ اشْتَرَاهُ وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إذَا اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ عَتَقَ وَبَطَلَ خِيَارُهُ وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَشْكُلُ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَلَوْ أَرْسَلَ الْعِتْقَ بَعْدَ شِرَائِهِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ نَفَذَ وَالثَّانِيَةِ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا وَعِنْدَهُمَا يَفْسُدُ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهَا فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْمُدَّةِ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ إنْ كَانَتْ بِكْرًا سَقَطَ الْخِيَارُ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْهَا كَقَطْعِ يَدِهَا.
وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ وَلَهُ رَدُّهَا لِأَنَّهُ وَطِئَهَا بِالنِّكَاحِ وَعِنْدَهُمَا يَصِيرُ مُخْتَارًا سَوَاءٌ كَانَتْ ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا لِأَنَّ وَطْأَهُ حَصَلَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالنِّكَاحُ قَدْ ارْتَفَعَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَتَهُ فَوَطِئَهَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُخْتَارًا سَوَاءٌ كَانَتْ ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا لِأَنَّ وَطْأَهُ حَصَلَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالثَّالِثَةِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَقَبَضَهَا فَحَاضَتْ عِنْدَهُ فِي الْمُدَّةِ فَاخْتَارَهَا لَا يَكْتَفِي بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ فِي الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَكْتَفِي بِهَا وَلَوْ اخْتَارَ الْفَسْخَ وَعَادَتْ إلَى الْبَائِعِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا عَلَى الْبَائِعِ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى الْبَائِعِ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ يَجِبُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ مَلَكَهَا عِنْدَهُمَا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ لَوْ كَانَ بَاتًّا ثُمَّ فُسِخَ الْعَقْدُ بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ وَجَبَ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَفَسَخَ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ لِأَنَّهَا عَلَى مِلْكِهِ فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بَعْدَ جَوَازِ الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ بِحَيْضَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ إجْمَاعًا وَالرَّابِعَةِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَعِنْدَهُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَخِيَارُهُ عَلَى حَالِهِ إلَّا إذَا اخْتَارَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَعِنْدَهُمَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَيَبْطُلُ خِيَارُهُ وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ وَهَذَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ بِالثَّمَنِ) يَعْنِي إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ فَلَزِمَهُ ثَمَنُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ أَنَّ الثَّمَنَ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ الْمُتَبَايِعَانِ سَوَاءٌ زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ نَقَصَ وَالْقِيمَةُ مَا قُوِّمَ بِهِ الشَّيْءُ بِمَنْزِلَةِ الْمِعْيَارِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَأَمَّا إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي بَطَلَ الْبَيْعُ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ إنْ دَخَلَهُ عَيْبٌ) لِأَنَّهُ بِوُجُودِ الْعَيْبِ مُمْسِكٌ لِبَعْضِهِ فَلَوْ قُلْنَا إنَّ لَهُ الرَّدَّ لِتَضَرُّرِ الْبَائِعِ وَهَذَا إذَا كَانَ عَيْبًا لَا يَرْتَفِعُ كَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ أَمَّا إذَا كَانَ عَيْبًا يَرْتَفِعُ كَالْمَرَضِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ فَإِذَا زَالَ الْمَرَضُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ بَعْدَمَا ارْتَفَعَ الْمَرَضُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا إذَا مَضَتْ الثَّلَاثَةُ وَالْمَرَضُ قَائِمٌ لَزِمَ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَفَعَلَ بِالْمَبِيعِ فِعْلًا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَهُوَ إجَازَةٌ لِلْبَيْعِ مِثْلَ أَنْ يَطَأَ الْجَارِيَةَ أَوْ يُقَبِّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ وَحَدُّ الشَّهْوَةِ أَنْ تَنْتَشِرَ آلَتُهُ أَوْ تَزْدَادَ انْتِشَارًا وَقِيلَ أَنْ يَشْتَهِيَ بِقَلْبِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ الِانْتِشَارُ وَإِنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ لَمْ يَكُنْ إجَازَةً وَإِنْ قَبَّلَتْهُ الْأَمَةُ بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمَسَتْهُ بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَتْ إلَى فَرْجِهِ بِشَهْوَةٍ وَأَقَرَّ أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ بِشَهْوَةٍ فَهُوَ رِضًا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ فِعْلُهَا إجَازَةً لِلْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ رِضًى وَلَوْ بَاضَعَهَا أَوْ ضَاجَعَهَا أَوْ بَاشَرَهَا وَهِيَ فَعَلَتْ بِهِ ذَلِكَ بَطَلَ خِيَارُهُ سَوَاءٌ كَانَ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ الْقُبْلَةِ فَإِذَا بَطَلَ الْخِيَارُ بِالْقُبْلَةِ فَبِالْوَطْءِ أَوْلَى وَلَوْ قَبَّلَهَا وَقَالَ قَبَّلْتهَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ إنْ كَانَ فِي الْفَمِ لَا يُصَدَّقُ وَإِنْ كَانَ فِي سَائِرِ الْبَدَنِ صُدِّقَ وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ.
وَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ زَوَّجَ الْأَمَةَ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ فَهُوَ رِضًا وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ دَابَّةً فَرَكِبَهَا لِيَنْظُرَ إلَى سَيْرِهَا أَوْ قُوَّتِهَا أَوْ كَانَ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ لِيَنْظُرَ إلَى مِقْدَارِهِ أَوْ أَمَةً فَاسْتَخْدَمَهَا لِيَنْظُرَ ذَلِكَ مِنْهَا فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ فَإِنْ زَادَ فِي الرُّكُوبِ عَلَى مَا يُعْرَفُ بِهِ فَهُوَ رِضًا وَإِنْ رَكِبَهَا لِحَاجَةٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا أَوْ أَجَّرَهَا أَوْ كَانَتْ أَرْضًا فَسَقَاهَا أَوْ حَرَثَهَا أَوْ كَانَ زَرْعًا فَحَصَدَهُ أَوْ فَصَلَ مِنْهُ شَيْئًا لِدَوَابِّهِ فَهُوَ رِضًا وَإِنْ رَكِبَهَا لِيَسْقِيَهَا أَوْ لِيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ رِضًا لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى قَوْدِهَا وَالِاسْتِحْسَانُ لَيْسَ بِرِضًا لِأَنَّ الدَّوَابَّ قَدْ تَمْتَنِعُ وَلَا يُمْكِنُ سَيْرُهَا إلَّا بِالرُّكُوبِ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ بِئْرًا فَاسْتَقَى مِنْهَا لِلْوُضُوءِ أَوْ وَقَعَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ فَنَزَحَهَا لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا سَقَى مِنْهَا زَرْعَهُ فَإِنَّهُ رِضًا وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَفَصَدَهُ فَهُوَ رِضًا وَإِنْ حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ وَإِنْ كَانَتْ دَجَاجَةً فَبَاضَتْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بَطَلَ خِيَارُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَذِرًا وَكَذَا إذَا كَانَتْ شَاةً فَوَلَدَتْ إنْ كَانَ الْوَلَدُ حَيًّا بَطَلَ خِيَارُهُ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا لَمْ يَبْطُلْ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ دَارًا فَبِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ رِضًا.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ شُرِطَ لَهُ الْخِيَارُ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَلَهُ أَنْ يُجِيزَهُ فَإِنْ اخْتَارَ الْإِجَازَةَ بِغَيْرِ حَضْرَةِ صَاحِبِهِ جَازَ وَإِنْ فَسَخَ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ حَاضِرًا) وَهَذَا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ يَجُوزُ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الْفَسْخُ بِالْقَوْلِ أَمَّا بِالْفِعْلِ فَيَجُوزُ مَعَ غَيْبَتِهِ إجْمَاعًا كَمَا إذَا بَاعَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ وَطِئَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ حَاضِرًا نَفْسُ الْحُضُورِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ عِلْمُهُ بِالْفَسْخِ فِي الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَهَا فَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَطَلَ خِيَارُهُ) وَتَمَّ الْبَيْعُ مِنْ قِبَلِهِ أَيُّهُمَا كَانَ لِأَنَّ بِالْمَوْتِ يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ وَقَطْعُهُ يُوجِبُ تَمَامَ الْبَيْعِ كَمَا لَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَإِنْ كَانَا جَمِيعًا بِالْخِيَارِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا تَمَّ الْبَيْعُ مِنْ قِبَلِهِ وَالْآخَرُ عَلَى خِيَارِهِ فَإِنْ مَاتَ جَازَ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ شَيْئًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَعَجَزَ فِي الثَّلَاثِ تَمَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ عَجْزَهُ كَمَوْتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى وَرَثَتِهِ) وَإِنَّمَا لَمْ يُورَثْ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا مَشِيئَةٌ وَإِرَادَةٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ وَالْإِرْثُ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ فَكَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ) فَإِنْ قِيلَ لِمَ جَازَ الْبَيْعُ مَعَ هَذَا الشَّرْطِ مَعَ أَنَّ الشَّرْطَ يُفْسِدُ الْبَيْعَ كَمَنْ بَاعَ شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ أَوْ عَلَى أَنَّهَا تَحْلُبُ كَذَا فَإِنَّ الْبَيْعَ فِيهِ فَاسِدٌ قِيلَ الْفَرْقُ أَنَّ الْحَبَلَ فِي الْبَهَائِمِ زِيَادَةٌ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ لَا يَدْرِي أَنَّهُ حَبَلٌ أَوْ انْتِفَاخٌ وَأَنَّ الْوَلَدَ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ وَالْمَجْهُولُ إذَا ضُمَّ إلَى الْمَعْلُومِ يَصِيرُ الْكُلُّ مَجْهُولًا وَكَذَا إذَا شَرَطَ أَنَّهَا تَحْلُبُ كَذَا لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مِقْدَارَهُ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ تَحْصِيلُهُ فَكَانَ مُفْسِدًا فَإِنْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ رَجَعَ إلَى الْبَائِعِ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا كَذَا فِي الزِّيَادَاتِ.
وَفِي الْيَنَابِيعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِغَيْرِ الْمَوْتِ رَجَعَ بِالْأَرْشِ وَصُورَتُهُ أَنْ يُقَوَّمَ خَبَّازًا وَغَيْرَ خَبَّازٍ وَيَضْمَنَ مَا بَيْنَهُمَا وَإِنْ جَاءَ بِهِ لِيَرُدَّهُ فَقَالَ لَمْ أَجِدْهُ كَاتِبًا وَلَا خَبَّازًا فَقَالَ الْبَائِعُ قَدْ سَلَّمْته إلَيْك عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ عِنْدَك وَذَلِكَ فِي مُدَّةٍ لَا يَنْسَاهَا فِي مِثْلِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ مُدَّعِي تَسْلِيمَهُ عَلَى مَا ذُكِرَ وَالْمُشْتَرِيَ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ:

خِيَارُ الرُّؤْيَةِ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَهُوَ خِيَارٌ ثَبَتَ حُكْمًا لَا بِالشَّرْطِ وَلَا يَتَوَقَّتُ وَلَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي حَتَّى أَنَّهُ لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ جَازَ تَصَرُّفُهُ وَبَطَلَ خِيَارُهُ وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ) ثُمَّ إنَّهُ خِيَارٌ لَا يُورَثُ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ الرَّدُّ وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الرُّؤْيَةِ رَضِيت ثُمَّ رَآهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ لِأَنَّ الْخِيَارَ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ فَلَا يَثْبُتُ قَبْلَهُ وَلَوْ رَدَّهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ صَحَّ رَدُّهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ إلَى أَنْ يَرَاهُ فَيَرْضَى بِهِ أَوْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَإِنْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِهِ فَقَبَضَهُ الْوَكِيلُ وَرَآهُ وَرَضِيَ بِهِ جَازَ وَلَزِمَ الْمُوَكِّلَ وَسَقَطَ خِيَارُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ عَيْبٌ وَعِنْدَهُمَا لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُوَكِّلِ بِرُؤْيَةِ وَكِيلِ الْقَبْضِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ رُؤْيَةَ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ كَرُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ تُسْقِطُ خِيَارَهُ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ أَرْسَلَ رَسُولًا فَأَخَذَ الْمَبِيعَ وَرَضِيَ بِهِ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُ الْمُرْسَلِ لِأَنَّ الرَّسُولَ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُقُوقُ وَقَدْ أُرْسِلَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَتَعَدَّاهُ وَإِذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ تَصَرُّفًا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ بَطَلَ خِيَارُهُ وَكَذَا إذَا أَوْجَبَ فِيهِ حَقًّا لِغَيْرِهِ مِثْلَ أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ يُؤَجِّرَهُ أَوْ يَرْهَنَهُ فَإِنْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ بَعْدَمَا بَاعَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَجَرَهُ لَمْ يَعُدْ خِيَارُهُ سَوَاءٌ كَانَ فَسْخُ الْعَقْدِ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا وَكَذَا لَوْ خَرَجَ بَعْضُ الْمَبِيعِ مِنْ يَدِهِ أَوْ نَقَصَ أَوْ زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً فَإِنَّهُ يَبْطُلُ خِيَارُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ) بِأَنْ وَرِثَ شَيْئًا فَلَمْ يَرَهُ حَتَّى بَاعَهُ هَذَا إذَا بَاعَ عَيْنًا بِثَمَنٍ أَمَّا إذَا بَاعَ عَيْنًا بِعَيْنٍ وَلَمْ يَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْعِوَضِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرٍ لِلْعِوَضِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ نَظَرَ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ أَوْ إلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا أَوْ إلَى وَجْهِ الْجَارِيَةِ أَوْ إلَى وَجْهِ الدَّابَّةِ وَكِفْلِهَا فَلَا خِيَارَ لَهُ) هَذَا إذَا كَانَتْ الصُّبْرَةُ لَا تَتَفَاوَتُ وَأَمَّا النَّظَرُ إلَى الثَّوْبِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ يُسْتَدَلُّ بِظَاهِرِهِ عَلَى بَاطِنِهِ فَلَا خِيَارَ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَمَا إذَا كَانَ فِي طَيِّهِ عَلَمٌ مِنْ حَرِيرٍ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ حَتَّى يَرَاهُ وَلَوْ اشْتَرَى ثِيَابًا كَثِيرَةً فَرَأَى بَعْضَهَا دُونَ بَعْضٍ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى ظَاهِرِ كُلِّ ثَوْبٍ لِأَنَّ الثِّيَابَ تَتَفَاوَتُ وَأَمَّا إذَا نَظَرَ إلَى وَجْهِ الْجَارِيَةِ أَوْ الْعَبْدِ فَالْمَقْصُودُ مِنْ بَنِي آدَمَ الْوَجْهُ فَرُؤْيَتُهُ كَرُؤْيَةِ الْجَمِيعِ وَكَذَا إذَا نَظَرَ إلَى أَكْثَرِ الْوَجْهِ فَهُوَ كَرُؤْيَةِ جَمِيعِهِ وَلَوْ نَظَرَ مِنْ بَنِي آدَمَ إلَى جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ فَخِيَارُهُ بَاقٍ وَلَوْ رَأَى وَجْهَهُ لَا غَيْرُ بَطَلَ خِيَارُهُ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.
وَأَمَّا إذَا نَظَرَ إلَى وَجْهِ الدَّابَّةِ وَكِفْلِهَا فَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ رُؤْيَةَ الْقَوَائِمِ وَالْمُرَادُ مِنْ الدَّابَّةِ الْفَرَسُ وَالْحِمَارُ وَالْبَغْلُ وَأَمَّا الشَّاةُ فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِيهَا بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِهَا وَكِفْلِهَا وَكِفْلُ الدَّابَّةِ عَجُزُهَا وَمُؤَخِّرُهَا وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً لِلدَّرِّ أَوْ لِلنَّسْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى ضَرْعِهَا وَإِنْ كَانَتْ شَاةَ لَحْمٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَسِّ حَتَّى يَعْرِفَ الْهُزَالَ مِنْ السِّمَنِ وَلَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً حَلُوبًا فَرَأَى كُلَّهَا وَلَمْ يَرَ ضَرْعَهَا فَلَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ الضَّرْعَ هُوَ الْمَقْصُودُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ) (رَأَى صَحْنَ الدَّارِ) (فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْ بُيُوتَهَا) صَحْنُ الدَّارِ وَسَطُهَا.
وَقَالَ زُفَرُ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ دَاخِلِ الْبُيُوتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّ الدُّورَ مُخْتَلِفَةٌ وَكَلَامُ الشَّيْخِ خَرَجَ عَلَى دُورِهِمْ بِالْكُوفَةِ لِأَنَّ دَاخِلَهَا وَخَارِجَهَا سَوَاءٌ وَلَوْ رَأَى مَا اشْتَرَاهُ مِنْ وَرَاءِ زُجَاجَةٍ أَوْ فِي مِرْآةٍ أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَلَى شَفَا حَوْضٍ فَرَآهُ فِي الْمَاءِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِرُؤْيَةٍ وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ لِأَنَّهُ لَا يَرَاهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهَيْئَتِهِ وَيُخَالِفُ هَذَا النَّظَرَ إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ مِنْ وَرَاءِ زُجَاجَةٍ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَيُوَافِقُهُ فِيمَا عَدَا الزُّجَاجِ وَلَوْ كَانَتْ فِي وَسَطِ الْمَاءِ فَرَأَى فَرْجَهَا عَنْ شَهْوَةٍ وَهِيَ فِيهِ ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى.
قَوْلُهُ: (وَبَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا اشْتَرَى) وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيمَا بَاعَ كَالْبَصِيرِ إذَا بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ خِيَارُهُ بِأَنْ يَجُسَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالْجَسِّ أَوْ يَشُمَّهُ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالشَّمِّ أَوْ يَذُوقَهُ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالذَّوْقِ) وَإِنْ كَانَ ثَوْبًا فَلَا بُدَّ مِنْ صِفَةِ طُولِهِ وَعَرْضِهِ وَرِقَّتِهِ مَعَ الْجَسِّ وَفِي الْحِنْطَةِ لَا بُدَّ مِنْ اللَّمْسِ وَالصِّفَةِ وَفِي الْأَدْهَانِ لَا بُدَّ مِنْ الشَّمِّ وَفِي الثَّمَرَةِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ يُعْتَبَرُ بِالصِّفَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِي الْعَقَارِ حَتَّى يُوصَفَ لَهُ) لِأَنَّ الْوَصْفَ يَقُومُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ كَمَا فِي السَّلَمِ وَكَذَا الدَّابَّةُ وَالْعَبْدُ وَالْأَشْجَارُ وَجَمِيعُ مَا لَا يُعْرَفُ بِالْجَسِّ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ فَإِنَّهُ يَقِفُ عَلَى الصِّفَةِ وَالصِّفَةُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الرُّؤْيَةِ فَإِذَا وُصِفَ لَهُ وَاشْتَرَاهُ وَكَانَ كَمَا وُصِفَ لَهُ بَطَلَ خِيَارُهُ يَعْنِي إذَا اشْتَرَى مَا وُصِفَ لَهُ ثُمَّ أَبْصَرَهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ مَا لَمْ يَرَهُ ثُمَّ عَمِيَ انْتَقَلَ إلَى الصِّفَةِ وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ مَا وُصِفَ لَهُ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى النَّظَرِ وَالصِّفَةُ قَائِمَةٌ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَلَوْ قَالَ الْأَعْمَى قَبْلَ الْوَصْفِ رَضِيت لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ مَا لَمْ يَرَهُ وَفَسَخَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ صَحَّ فَسْخُهُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ) وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ سَوَاءٌ قَبَضَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ وَقَبْضُ الْمَالِكِ الثَّمَنَ دَلِيلٌ عَلَى إجَازَتِهِ وَلَوْ رَأَى رَجُلًا يَبِيعُ لَهُ شَيْئًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَسَكَتَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُ إذْنًا فِي إجَازَةِ بَيْعِهِ كَذَا فِي شَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ.
قَوْلُهُ: (وَلَهُ الْإِجَازَةُ إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بَاقِيًا وَالْمُتَعَاقِدَانِ بِحَالِهِمَا) وَاعْلَمْ أَنَّ قِيَامَ الْأَرْبَعَةِ شَرْطٌ لِلُحُوقِ الْإِجَازَةِ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ وَالْمَالِكَ وَالْمَبِيعَ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمَالِكُ مَعَ قِيَامِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ جَازَ وَتَكُونُ الْإِجَازَةُ اللَّاحِقَةُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ وَيَكُونُ الْبَائِعُ كَالْوَكِيلِ وَالثَّمَنُ لِلْمُجِيزِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ هَلَكَ أَمَانَةً ثُمَّ لِهَذَا الْفُضُولِيِّ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ الْمَالِكُ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ وَكَذَا لَوْ فَسَخَهُ الْمُشْتَرِي يَنْفَسِخُ وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْمَالِكُ الْبَيْعَ وَفَسَخَهُ انْفَسَخَ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ فَإِنْ مَاتَ الْمَالِكُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَا يَجُوزُ بِإِجَازَةِ وَرَثَتِهِ وَقَوْلُهُ إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بَاقِيًا وَالْمُتَعَاقِدَانِ بِحَالِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِ الْمَبِيعِ أَبَاقٍ هُوَ أَمْ هَالِكٌ صَحَّتْ الْإِجَازَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِحُّ حَتَّى يَعْلَمَ قِيَامَهُ وَقْتَ الْإِجَازَةِ لِأَنَّ الشَّكَّ وَقَعَ فِي شَرْطِ الْإِجَازَةِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَاشْتَرَاهُمَا مَعًا ثُمَّ رَأَى الْآخَرَ جَازَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا) لِأَنَّ رُؤْيَةَ أَحَدِهِمَا لَا تَكُونُ رُؤْيَةً لِلْآخَرِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الثِّيَابِ فَيَبْقَى الْخِيَارُ فِيمَا لَمْ يَرَهُ ثُمَّ لَا يَرُدُّهُ وَحْدَهُ بَلْ يَرُدُّهُمَا كَيْ لَا يُفَرِّقَ الصَّفْقَةَ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ التَّمَامِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَلِهَذَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَيَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ وَلَوْ اشْتَرَى عَدْلَ بَزٍّ وَلَمْ يَرَهُ فَبَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْهَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ وَكَذَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ فِيمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَفِي رَدِّ مَا بَقِيَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يَمْنَعَانِ تَمَامَهَا.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ خِيَارُ رُؤْيَةٍ سَقَطَ خِيَارُهُ) وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى وَرَثَتِهِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ رَأَى شَيْئًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ مُدَّةٍ فَإِنْ كَانَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي رَآهَا فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَلَهُ الْخِيَارُ) فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّغْيِيرِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ حَادِثٌ وَسَبَبُ اللُّزُومِ ظَاهِرٌ وَهُوَ رُؤْيَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَتَغَيَّرُ بِطُولِ الزَّمَانِ أَرَأَيْت لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً شَابَّةً رَآهَا فَاشْتَرَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِعِشْرِينَ سَنَةً وَزَعَمَ الْبَائِعُ أَنَّهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ أَكَانَ يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ عَلَى مَا قَالُوا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَقِيلَ الْبَعِيدُ الشَّهْرُ فَمَا فَوْقَهُ وَالْقَرِيبُ دُونَ الشَّهْرِ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الرُّؤْيَةِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي لَمْ أَرَهُ حَالَ الْعَقْدِ وَلَا بَعْدَهُ وَقَالَ الْبَائِعُ بَلْ رَأَيْته فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الرُّؤْيَةَ وَهِيَ حَادِثَةٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِيَمِينِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ):

الْعَيْبُ هُوَ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَمْنَعُ تَمَامَ الْمِلْكِ وَخِيَارَ الْعَيْبِ يَمْنَعُ لُزُومَ الْمِلْكِ بَعْدَ التَّمَامِ وَخِيَارَ الْعَيْبِ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَا يَتَوَقَّفُ وَيُورَثُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (إذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ) يَعْنِي عَيْبًا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْبَيْعِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ رِضًا بِهِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ وَيَنْفَسِخَ الْبَيْعُ بِقَوْلِهِ رَدَدْتُ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى رِضَا الْبَائِعِ وَلَا إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَنْفَسِخُ إلَّا بِرِضًا، أَوْ قَضَاءٍ، ثُمَّ إذَا رَدَّهُ بِرِضَا الْبَائِعِ يَكُونُ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَإِنْ رَدَّهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي يَكُونُ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمَا.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَأْخُذَ النُّقْصَانَ) لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَرْضَ بِخُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِهِ إلَّا بِجُمْلَةٍ سَمَّاهَا مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجُ بِبَعْضِهَا إلَّا بِرِضَاهُ.
قَوْلُهُ: (وَكُلُّ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ) قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْعَيْبُ مَا نَقَصَ الثَّمَنَ عِنْدَ التُّجَّارِ، وَأَخْرَجَ السِّلْعَةَ عَنْ حَالِ الصِّحَّةِ وَالِاعْتِدَالِ سَوَاءٌ كَانَ يُورِثُ نُقْصَانًا فَاحِشًا مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ نُقْصَانًا يَسِيرًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مِمَّا يَعُدُّهُ أَهْلُ تِلْكَ الصِّنَاعَةِ عَيْبًا فِيهِ فَإِذَا وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا كَانَ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ، أَوْ حَدَثَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ رَدُّهُ يَسِيرًا كَانَ الْعَيْبُ أَمْ كَثِيرًا.
قَوْلُهُ: (وَالْإِبَاقُ عَيْبٌ) يَعْنِي إبَاقَ الصَّغِيرِ الَّذِي يَعْقِلُ أَمَّا الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَهُوَ ضَالٌّ لَا آبِقٌ فَلَا يَكُونُ عَيْبًا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْإِبَاقُ فِيمَا دُونَ السَّفَرِ عَيْبٌ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْخُرُوجُ مِنْ الْبَلَدِ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ.
قَوْلُهُ: (وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ عَيْبٌ) هَذَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ إنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِصِغَرِهِ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ وَإِنْ كَانَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ فَهُوَ عَيْبٌ؛ لِأَنَّهُ يُضْرَبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ مِنْ الصِّغَارِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَدْرُهُ بِخَمْسِ سِنِينَ فَمَا فَوْقَهَا وَمَا دُونَ ابْنِ خَمْسٍ لَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ عَيْبًا.
قَوْلُهُ: (وَالسَّرِقَةُ عَيْبٌ فِي الصَّغِيرِ مَا لَمْ يَبْلُغْ) يَعْنِي إذَا كَانَ صَغِيرًا يَعْقِلُ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَعْقِلُ بِأَنْ لَا يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَلَا يَلْبَسَ وَحْدَهُ لَا يَكُونُ عَيْبًا سَوَاءٌ كَانَتْ السَّرِقَةُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، أَوْ أَقَلَّ وَقِيلَ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ نَحْوُ الْفَلْسَيْنِ وَنَحْوُهُمَا لَا يَكُونُ عَيْبًا، وَالْعَيْبُ فِي السَّرِقَةِ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَوْلَى، أَوْ غَيْرِهِ إلَّا فِي الْمَأْكُولِ فَإِنَّ سَرِقَتَهُ لِأَجْلٍ الْأَكْلِ مِنْ بَيْتِ الْمَوْلَى لَيْسَ بِعَيْبٍ وَمِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ عَيْبٌ، فَإِنْ كَانَتْ سَرِقَتُهُ لِلْبَيْعِ لَا لِلْأَكْلِ فَهُوَ عَيْبٌ مِنْ الْمَوْلَى وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا بَلَغَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَيْبٍ حَتَّى يُعَاوِدَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ) مَعْنَاهُ إذَا ظَهَرَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عِنْدَ الْبَائِعِ مِنْ الْعَبْدِ فِي صِغَرِهِ، ثُمَّ حَدَثَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي صِغَرِهِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ ذَلِكَ الْعَيْبِ، وَإِنْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ فِي الْفِرَاشِ مِنْ الصَّغِيرِ لِضَعْفِ الْمَثَانَةِ وَبَعْدَ الْكِبَرِ لِدَاءٍ فِي الْبَاطِنِ، وَالْإِبَاقَ فِي الصِّغَرِ لِحُبِّ اللَّعِبِ وَفِي الْكِبَرِ لِخُبْثٍ فِي الْقَلْبِ وَالسَّرِقَةَ لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ وَهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ لِخُبْثٍ فِي الْبَاطِنِ فَكَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْجَارِيَةُ، وَالْغُلَامُ بَيَانُهُ إذَا وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُمَا فِي حَالِ الصِّغَرِ عِنْدَ الْبَائِعِ، ثُمَّ وُجِدَ مِنْهُمَا فِي حَالِ الْكِبَرِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَهُ رَدُّهُمَا، وَإِنْ وُجِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا؛ لِأَنَّ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ زَالَ بِالْبُلُوغِ وَمَا وُجِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ عَيْبٌ حَادِثٌ، وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُمَا عِنْدَ الْإِدْرَاكِ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ وُجِدَ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَهُ رَدُّهُمَا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَقَوْلُهُ: حَتَّى يُعَاوِدَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ مَعْنَاهُ إذَا بَالَ وَهُوَ بَالِغٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ، ثُمَّ بَاعَهُ وَعَاوَدَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَهُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ وَاحِدٌ، وَالْجُنُونُ فِي الصِّغَرِ عَيْبٌ أَبَدًا فَإِذَا جُنَّ فِي الصِّغَرِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ عَاوَدَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي الصِّغَرِ، أَوْ الْكِبَرِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ؛ إذْ السَّبَبُ فِي الْحَالَيْنِ مُتَّحِدٌ.
قَوْلُهُ: (وَالْبَخَرُ وَالدَّفَرُ عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ وَلَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْغُلَامِ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجَارِيَةِ الِافْتِرَاشُ وَهُمَا يُخِلَّانِ بِهَا، وَالْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الِاسْتِخْدَامُ فَلَا يُخِلَّانِ بِهِ.
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ دَاءٍ) لِأَنَّ الدَّاءَ عَيْبٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ مِنْ قُرْبَانِ سَيِّدِهِ، ثُمَّ الْبَخَرُ فِي الْجَارِيَةِ عَيْبٌ سَوَاءٌ كَانَ فَاحِشًا، أَوْ غَيْرَ فَاحِشٍ مِنْ دَاءٍ، أَوْ غَيْرِ دَاءٍ، وَفِي الْغُلَامِ إنْ كَانَ مِنْ دَاءٍ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ دَاءٍ إنْ كَانَ فَاحِشًا فَهُوَ عَيْبٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَالْفَاحِشُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي النَّاسِ مِثْلُهُ.
قَوْلُهُ: (وَالزِّنَا وَوَلَدُ الزِّنَا عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ)؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ مِنْهَا وَهُوَ الِافْتِرَاشُ وَالِاسْتِيلَادُ.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْغُلَامِ) لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ مِنْهُ وَهُوَ الِاسْتِخْدَامُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الزِّنَا عَادَةً لَهُ بِأَنْ زَنَى أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ اتِّبَاعَ النِّسَاءِ مُخِلٌّ بِالْخِدْمَةِ وَلِأَنَّ كَوْنَ الْجَارِيَةِ مِنْ الزِّنَا يُعَيَّرُ بِهِ وَلَدُهُ مِنْهَا، وَالْحَبَلُ عَيْبٌ فِي بَنَاتِ آدَمَ وَلَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْبَهَائِمِ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ تُرَادُ لِلْوَطْءِ، أَوْ لِلتَّزْوِيجِ، وَالْحَبَلُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْبَهَائِمُ فَهُوَ زِيَادَةٌ فِيهَا وَلَيْسَ بِعَيْبٍ وَارْتِفَاعُ الْحَيْضِ فِي الْجَارِيَةِ الْبَالِغَةِ عَيْبٌ وَهِيَ الَّتِي بَلَغَتْ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَلِدُ مَعَهُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً فَهُوَ عَيْبٌ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الدَّمِ وَاسْتِمْرَارَهُ عَلَامَةُ الدَّاءِ وَالسُّعَالُ الْقَدِيمُ عَيْبٌ؛ لِأَنَّهُ مَرَضٌ بِخِلَافِ الزُّكَامِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ، وَالْجُنُونُ، وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ عَيْبٌ وَكَذَلِكَ الْعَمَى، وَالْعَوَرُ وَالْحَوَلُ؛ لِأَنَّهَا تَنْقُصُ الثَّمَنَ، وَالصَّمَمُ، وَالْخَرَسُ، وَالْأُصْبُعُ الزَّائِدَةِ وَالنَّاقِصَةُ، وَالْقُرُوحُ، وَالْأَمْرَاضُ عُيُوبٌ، وَالْآدَرُ وَهُوَ انْتِفَاخُ الْأُنْثَيَيْنِ، وَالْعِنِّينُ، وَالْخَصِيُّ عُيُوبٌ، وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَصِيٌّ فَوَجَدَهُ فَحْلًا فَلَا خِيَارَ لَهُ وَتَرَكَ الصَّلَاةِ وَالنَّمِيمَةُ، وَالْكَذِبُ عَيْبٌ فِي الْعَبِيدِ، وَالْإِمَاءِ وَقِلَّةُ الْأَكْلِ عَيْبٌ فِي الْبَهَائِمِ وَلَيْسَ بِعَيْبٍ فِي بَنِي آدَمَ وَالتَّخْنِيثُ فِي الْغُلَامِ عَيْبٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَلَا يَرُدَّ الْمَبِيعَ) لِأَنَّ فِي الرَّدِّ إضْرَارًا بِالْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ سَالِمًا وَيَعُودُ مَعِيبًا وَصُورَةُ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ أَنْ يُقَوَّمَ الْمَبِيعُ وَلَيْسَ بِهِ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ وَيُقَوَّمَ وَبِهِ ذَلِكَ الْعَيْبُ فَيُنْظَرَ إلَى مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ لِأَجْلِ الْعَيْبِ وَيُنْسَبَ مِنْ الْقِيمَةِ السَّلِيمَةِ فَإِنْ كَانَتْ النِّسْبَةُ الْعُشْرَ رَجَعَ بِعُشْرِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَتْ النِّصْفَ فَبِنِصْفِهِ بَيَانُهُ إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقِيمَته مِائَةُ دِرْهَمٍ وَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ يَنْقُصُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَقَدْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ آخَرُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَذَلِكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ كَانَ يَنْقُصُ مِنْ قِيمَتِهِ لِأَجْلِ الْعَيْبِ عِشْرِينَ رَجَعَ بِخُمُسِ الثَّمَنِ وَهُوَ دِرْهَمَانِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِمِائَتَيْنِ وَقِيمَته مِائَةٌ وَيَنْقُصُ مِنْ قِيمَتِهِ لِأَجْلِ الْعَيْبِ عَشَرَةً فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَذَلِكَ عِشْرُونَ وَلَوْ كَانَ الْعَيْبُ يَنْقُصُهُ عِشْرِينَ رَجَعَ بِخُمُسِ الثَّمَنِ وَذَلِكَ أَرْبَعُونَ.
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ بِعَيْبِهِ فَلَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ، وَالْتِزَامِ الضَّرَرِ فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ وَأَرَادَ الْمُشْتَرِي حَبْسَ الْمَبِيعِ وَالرُّجُوعَ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ إنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي أَمْسَكَهُ وَلَا يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَطَعَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ، أَوْ خَاطَهُ قَمِيصًا، أَوْ صَبَغَهُ، أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَهُ)؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهِ زِيَادَةً يُبْذَلُ عَلَيْهَا الْمَالُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مَعَهَا، وَإِذَا تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ وَجَبَ الْأَرْشُ وَقَوْلُهُ، أَوْ صَبَغَهُ يَعْنِي أَحْمَرَ فَإِنْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ فَكَذَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نُقْصَانٌ، وَإِنْ قَطَعَهُ وَلَمْ يَخِطْهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَتَصَرَّفَ فِيهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْعَيْبِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّةِ الْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ: لَوْ لَمْ تَخِطْهُ وَرَدَدْتَهُ نَاقِصًا كُنْتُ أَقْبَلُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ وَلَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ بَعْدَمَا قَطَعَهُ وَخَاطَهُ قَمِيصًا، أَوْ صَبَغَهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِالْأَرْشِ، وَإِنْ قَطَعَهُ وَلَمْ يَخِطْهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَبَاعَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَبْلَ أَنْ يَخِيطَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِالْأَرْشِ؛ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ أَنَا أَقْبِضُهُ نَاقِصًا.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ، أَوْ مَاتَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ) وَكَذَا إذَا دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ، وَالْمُرَادُ بِالْعِتْقِ إذَا أَعْتَقَهُ مَجَّانًا أَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ، أَوْ كَاتَبَهُ فَأَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ وَعَتَقَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَرْجِعْ بِنُقْصَانِهِ أَمَّا الْمَوْتُ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَهِي بِهِ وَالِامْتِنَاعُ حُكْمِيٌّ لَا بِفِعْلِهِ فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالْأَرْشِ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ بِالْأَرْشِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْقَتْلِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ انْتِهَاءٌ لِلْمِلْكِ فَصَارَ كَالْمَوْتِ، وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَ بَدَلَهُ، وَحَبْسُ الْبَدَلِ كَحَبْسِ الْمُبْدَلِ وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا فَبَنَاهَا مَسْجِدًا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَرْجِعْ بِأَرْشِهَا.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَتَلَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ، أَوْ كَانَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَأَكَلَهُ؛ إذْ لَوْ بَاعَهُ، أَوْ وَهَبَهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إجْمَاعًا وَتَخْصِيصُ الْمُشْتَرِي بِالْقَتْلِ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا قَتَلَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّ قَتْلَهُ مُوجِبٌ لِلْقِيمَةِ وَأَخْذُ الْقِيمَةِ مِنْ الْقَاتِلِ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِهِ مِنْهُ فَلَمْ يَرْجِعْ بِالنُّقْصَانِ إجْمَاعًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَهُ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ وَلَا يَبْطُلُ بِأَخْذِ الْقِيمَةِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَكْلِ لَا غَيْرُ أَمَّا فِي الْقَتْلِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْهُ فِي الْمَبِيعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ، أَوْ قَتَلَهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْأَكْلَ تَصَرُّفٌ مِنْ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ فَأَشْبَهَ الْإِعْتَاقَ فَإِنْ أَكَلَ بَعْضَ الطَّعَامِ لَمْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ وَلَمْ يَرْجِعْ بِالْأَرْشِ فِيمَا أَكَلَ وَلَا فِيمَا بَقِيَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُمَا فَرُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّهُ يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ بِأَرْشِ مَا أَكَلَ وَرُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ بِأَرْشِ الْجَمِيعِ وَلَوْ اشْتَرَى دَقِيقًا فَخَبَزَ بَعْضَهُ فَوَجَدَهُ مُرًّا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَيَرْجِعَ بِنُقْصَانِ مَا خَبَزَهُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: وَبِهِ نَأْخُذُ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ فَإِنْ بَاعَ بَعْضَ الطَّعَامِ، ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَرْجِعْ بِأَرْشِ مَا بَاعَ وَلَا بِأَرْشِ مَا بَقِيَ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِالْبَيْعِ وَهُوَ فِعْلٌ مَضْمُونٌ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَرَوَى هِشَامٌ عَنْهُ أَنَّهُ يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَلَا يَرْجِعُ بِأَرْشِ مَا بَاعَ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْبَاقِيَ وَلَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عَنْهُ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا نَقَصَهَا الْوَطْءُ، أَوْ ثَيِّبًا لَمْ يَنْقُصْهَا، وَإِذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ وَجَبَ النُّقْصَانُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا فَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَإِنْ قَبِلَهُ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَجُعِلَ الْبَيْعُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَبِلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ) لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ إنْ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا، وَالْأَوَّلُ ثَالِثُهُمَا وَلِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِرِضَاهُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِعَيْبٍ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ الْعُيُوبَ وَلَمْ يَعُدَّهَا) وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْبَرَاءَةِ الْعَيْبُ الْمَوْجُودُ وَالْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَا يَعْلَمُ بِهِ الْبَائِعٌ وَمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَمَا وَقَفَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يَقِفْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَدْخُلُ الْحَادِثُ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَتَنَاوَلُ الثَّابِتَ فَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى اعْوَرَّ عِنْدَ الْبَائِعِ فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ: يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ، وَالْبَرَاءَةُ وَاقِعَةٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مِنْ حَقٍّ لَمْ يَجِبْ، وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ لَمْ يَدْخُلْ الْحَادِثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعُمَّ الْبَرَاءَةَ، وَإِنَّمَا خَصَّهَا بِالْمَوْجُودِ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَقُولَ: مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ، أَوْ قَالَ: مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ، فَفِي الْأَوَّلِ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَمَا يَحْدُثُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَبْرَأُ مِنْ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَا يَبْرَأُ مِنْ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ إجْمَاعًا وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الدَّاءُ مَا كَانَ فِي الْجَوْفِ مِنْ الطِّحَالِ، أَوْ فَسَادِ حَيْضٍ وَمَا سِوَاهُ يُسَمَّى مَرَضًا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَلَوْ قَالَ: مِنْ كُلِّ غَائِلَةٍ فَالْغَائِلَةُ السَّرِقَةُ، وَالْإِبَاقُ، وَالْفُجُورُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.